كيف تُعيد المعارض العالمية تشكيل سرد التطريز الفلسطيني؟ قراءة في عرض «Thread Memory»

A loving moment of grandmother and granddaughter crocheting in a cozy room.

مقدمة: لماذا يهم عرض «Thread Memory» الآن؟

في زمن تُواجه فيه الذاكرة الثقافية الفلسطينية ضغوطاً نتيجة النزاعات وفقدان المواقع والأشياء، تبرز معارض مثل "Thread Memory: Embroidery from Palestine" كمنصة لعرض واحدٍ من أهم أشكال التعبير الشعبي الفلسطيني: التترِز (التطريز). العرض يجمع بين ثياب (ثوب) تاريخية وأعمال معاصرة ويُقدّم التطريز كـ"لغة مادية" تروي قصص النساء والمجتمعات عبر ألوان، غرزة وقَصّات.

في هذه القراءة نحلل كيف تُعيد المعارض العالمية مثل "Thread Memory" تشكيل السرد العام عن التترِز: ما الذي تُظهره؟ ما الذي تُخفيه؟ وكيف يتفاعل الجمهور، السوق الفني، والمجتمع الفلسطيني مع هذه السرديات؟

خلفية قصيرة: التترِز كذاكرة مادية وسرد اجتماعي

التترِز ليس زخرفة فقط؛ هو أرشيف للمناسبات، الهجرة، الحالة الاقتصادية والهوية الإقليمية — اختلاف قصَّة الثوب ونمط الغرزة قد يُعرّف قِبيلة أو قرية أو حدثاً اجتماعياً. عبر قرون، سُجِّلت حالات الفرح والحزن، الزواج والتهجير في أقمشة النساء، ما يجعل الثوب الفلسطيني وثيقة اجتماعية قابلة للقراءة.

عند توظيف المتاحف لهذا التراث، يتحول الثوب من "أداة محلية" إلى مادة معروضة تُقرأ ضمن أطر تاريخية وفنية عالمية؛ وهنا تظهر أسئلة المنهجية: من يقرّأ الثوب؟ ومن يقرّر أي قطع تُعرض وكيف تُوَسّم؟

ماذا يفعل "Thread Memory"؟ بنية العرض وشركاؤه

عرض "Thread Memory" مبني على أبحاث وتحالفات بين مؤسسات دولية ومحلية، ويضم أكثر من ثلاثين ثوباً تاريخياً ومعاصراً، مع مواد أرشيفية ومقابلات مع مُطرِّزات. العرض عُرض أولاً في Hayy Jameel بجدة ثم نُقل إلى V&A Dundee (افتتح في 26 يونيو 2025 واستمر حتى ربيع 2026) ويُنفّذ بالشراكة مع Palestinian Museum وArt Jameel وV&A. هذه الشراكات المؤسساتية أعطت العرض نطاقاً دولياً وموارد بحثية ومعروضات لم تكن متاحة دائماً خارج فلسطين.

المنحى المنسق للعرض يركّز على ربط الثوب التقليدي بالتصميم المعاصر: توجد قطع مُكلّفة لأزياء فلسطينية حديثة مُكلّفة خصيصاً للعرض، ما يُحوّل التترِز إلى مادة حية في مشهد التصميم العالمي وليس مجرد تحف محفوظة في خزنات.

التأثير الثقافي والفني: فوائد وتحديات

فوائد العرض تشمل توسيع جمهور التترِز، فتح حوارات عن الحفظ والابتكار، ودعم مصممين فلسطينيين عبر منصات عرض دولية — وكلها عناصر تقوّي مرئية التراث وتساعد على استمراريته كمِهنة ومعرفة. كما أن وجود المادة المعاصرة جنباً إلى جنب مع التقليدية يربط الأجيال ويحفّز إعادة تفسير الرموز والتقنيات.

لكن ثمة تحديات وقيود: التحوّل إلى معرض عالمي يمكن أن يؤدي إلى تبسيط سرد معقّد، وبيعه في سوق الذائقة العالمية قد يغيّر وظيفة القطعة من ذاكرة محلية إلى منتج نمطي. هذا التحويل يجري ضمن محاور قوة — أي من يملك السلطة على تفسير القطع؟ وهل يضمن العرض تمثيلاً منصفاً للتنوّع الجغرافي والديني داخل تاريخ المنطقة؟ نقّاد طالبوا نهجاً أكثر تعددية في السرد التاريخي وتوسيع المرجعية الأثرية والثقافية.

قضايا أخلاقية ونقاشات عامة — من البضائع إلى الرمز

أثارت بعض عناصر العرض النقاش العام: مثلاً، بيع مجموعات أو "كيّتابات تطريز" تحمل رموزاً سياسية أثار استجابة متباينة بين مؤيّد ورافض، ما يوضّح كيف يمكن لِتجاربة المتحف أن تتقاطع مع سجالات سياسية وثقافية أوسع. هذا يفتح نقاشاً هاماً حول حدود التجارة الثقافية ومسؤولية المؤسسات في تقديم سياق واضح يفسّر الدلالات التاريخية والسياسية للرموز المعروضة.

من منظور أخلاقي عملي: المستفيدون الرئيسيون من العرض ينبغي أن يكونوا المجتمعات المالكة لهذه التراث — أي الحَرفيات والعائلات والمؤسسات الفلسطينية — عبر اتفاقات استعارة عادلة، برامج عائدات، ومشروعات تعاون طويلة الأمد.

خاتمة وتوصيات عملية

عرض "Thread Memory" مثال قوي على قدرة المعارض العالمية على إعادة تشكيل سرديات التراث الشعبي — إيجابياً عندما يوفر منصات وحماية للقطع والرحلات الفنية، وسلبياً عندما يُبسّط أو يكوّن سرداً أحادي الجانب. لتقليل المخاطر وتعظيم الفائدة نقترح:

  • تكثيف الشراكات البحثية مع مؤسسات فلسطينية محلية وتضمين أصوات المُطرِّزات في كل مراحل السرد والعرض.
  • آليات مشاركة اقتصادية واضحة (عوائد، حقوق صور، برامج تعليمية تعود بالنفع على المجتمعات).
  • أطر عرض نقدية توضّح التواريخ المتعدّدة للقطع وعدم تقديم سرد موحَّد للمنطقة عبر مصطلحات مبسطة.
  • برامج متابعة تُحوّل الاهتمام إلى مشاريع دعم حرفي مستدامة داخل فلسطين (تدريب، معدات، تسويق مسؤول).

في الختام، يمكن للمعارض العالمية أن تُعيد الحيوية للتترِز الفلسطيني إذا ما أخَذت في الحسبان الأبعاد التاريخية، الاقتصادية والأخلاقية للعرض، وعملت بشفافية مع أصحاب المعرفة الأصليين لضمان أن تبقى القطع قصصاً حية لا مجرد عناصر على لوحة عرض.